بقلم: نجيب ميكو
جاءت في ركاب الوجه الرديء العفن النثن المقزز المدمر من الثورة الإفتراضية التي شكلت وسائل التواصل الاجتماعي رحمها ووعاءها وحاضن اكتساحها، لغة جديدة انتشرت بين المغاربة بسرعة الضوء المظلم.
لغة، بدأت على لوحة مفاتيح “clavier” الهاتف المحمول بالنسبة للذين لا يتوفرون على اللغة العربية في هواتفهم، أو لا يحسنون استعمالها، أو الذين لا يحسنون الكتابة بالفرنسية.
لغة يفكر مستعملوها باللغة الدارجة ويكتبونها بالأحرف الفرنسية وببعض الأرقام الحسابية، إذ غالب كلماتها ذات مدلول دارجي، وكل أحرفها هي خليط بين الأحرف الأبجدية الفرنسية والأرقام الحسابية التي تم تطويعها لتعويض أحرف عربية غير موجودة في اللغة الفرنسية.
إنها في آخر المطاف، لغتنا العامية وقد كتبها مخترعوها بمزيج من الأحرف الفرنسية والأرقام الحسابية :
“Sa7bi 9ollia 3lach ma katjawbch 7choma 3lik”
ولم يتوقف الأمر عند هؤلاء، بل اقتحمت الوصلات الإشهارية المرئية هنا وهناك. ومن تم لم تعد فقط لغة تواصل شرائح اجتماعية بعينها على فضاءات كل وسائل التواصل الاجتماعي، بل لغة الفضاءات العامة على طول شوارعنا وعرض شاشاتنا التلفزية.
لا أريد هنا أن أطبق على هذه الظاهرة البئيسة نظرية المؤامرة ضد لغتنا العربية ولغاتنا العامية التي تؤتث فضاءاتنا المختلفة، بل أريد التنبيه إلى هذا الوافد التجهيلي الجديد الذي يحمل كل تعبيرات جلد الذات والإستيلاب والتنصل من هوياتنا الثقافية المتعددة الغنية والمتجدرة، ويحمل كل أوصاف الإذلال والحط من كرامتنا ورصيدنا الثقافي الجمعي، كما ويحمل كل مخاطر تسربها إلى فضائنا التعليمي المثقل المنهك بكل ما ينتابه من مثبطات لن يقوى على تحمل مصيبة جديدة أكبر منها.
إنني أخشى أن يكون الوافد الجديد واحدا من التعبيرات الاجتماعية- الثقافية المتعددة التي تنفرد برداءة وفقر معنوي قل نظيرهما، والتي أصبحت تطوق أذواقنا وحدوسنا الحسية من كل جانب، وتتسلل بخطى حثيتة إلى هويتنا عبر مختلف أشكال تواصلنا الجمعي، كمسخ وعهر “روتيني اليومي”، وقذارة وردة فيديوهات البؤس والإثارة والتفاهة في شتى المجالات الاجتماعية التي تتوالد بسرعة الصوت، والتي همها الأوحد هو تحقيق ملايين المشاهدات المؤدى عنها، حتى ولو كان ذلك الأداء على حساب مرجعيات وأخلاق وقيم وذكاء وطموح وكرامة وكبرياء وصورة وسمعة أمة بكاملها.
إنني أخشى أن أحيى ليوم أرى فيه ثانية في برنامج تلفزي كثير المشاهدة، شخصية عامة تترنح لارتجال وتقديم “الأدلة والبراهين” على وجوب استعمال اللغة البئيسة التجهيلية الوافدة، كلغة للتعليم في أسلاكنا الإبتدائية من أجل “تيسير الفهم والكتابة” لدى أطفالنا.
إنني إذ لا أرى فيما يحدث أي مؤامرة من طرف أي جهة مهما بلغت ميكيافيليتها في الإنتشاء بدق المسامير المتوالية في نعش لغتنا العربية، فإن ما أخشى فيه هو مؤامرة الصمت بعدم الاكتراث لهذا الذي يحدث، إلى أن ينكشف للجميع أن ذاك الشيء البسيط التافه قد أصبح سرطانا في مرحلته النهائية.
إن الرداءة والتفاهة كما والسكوت عنهما، لم يكونوا ولن يكونوا أبدا شكلا من أشكال الحرية، بل إنهم أعلى مستويات الردة الثقافية والحط من الحرية وتمريغها في وحل العبثية.