عبد الهادي بوشنياطة بلاحدود bilahodoud.ma
أستحضرُ وإياك عزيزي القارئ في بداية مقالتي هاته، لمفهوم التنمية في تفاصيله وشموليته.
وأنطلقُ بدايةً من التعرض لمفهوم التنمية، فما هي التنمية لغةً واصطلاحًا؟،
يُقصد بالتنمية لغة الزيادة والتطور والنماء، واصطلاحًا الانتقال من الوضعية الحالية الراهنة التي يعيشها الفرد والمجتمع، إلى وضع أكثر رفاهية وتطورا وأريحية اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا. أي بمعنى أصح، هي الانتقال إلى الوضع الذي يجب أن يكون عليه المجتمع والفرد داخله.
وأنتقلُ بعد هذا التعريف البسيط لمفهوم التنمية إلى بسط موضوع المقال، اعتماد المقومات الحقيقية للتنمية وشروط إقلاعها.
إن ترسانة القوانين والتشريعات والاتفاقيات الدولية المبرمة، وكذا التدافع السياسي للأحزاب من خلال برامجها الانتخابية، والبرنامج الحكومي الذي يُعرض على أنظار البرلمانيين لمناقشته و التصويتِ عليه ليكون الانطلاقة الفعلية لكل تسيير للشأن العام، تكون التنمية قاعدتهُ وأضلاعهُ التي يتطلع لها المواطن.
إن لكل تنمية منشودة قواعد وأُسس أسميتها بالمقومات، إذ لابد من توفرها وهي حسب رأيي كالتالي:
* الموارد البشرية: يُعتبر هذا المقوم أساسي، فهو المُنتج والمُستهلك، ويمكن تصنيف العنصر البشري لأشخاص ذوو كفاءة عالية وتكوين أكاديمي من حاملي الشواهد والخبرات تُناطُ لهم مهمة التخطيط الاستراتيجي ووضع السياسات العامة وإيجاد الحلول والبدائل، وتنفيذ التصورات الكبرى للبلد، والبحث عن التمويلات وجلب الاستثمارات و…. وأشخاص آخرين ليسو أقل أهمية من سابقيهم هُم الذين ليس لديهم تكوين أكاديمي ولا معرفي كبير، لكن لديهم من الخبرة ومُجاراة دروب الحياة بسواعد الجد من عمل مُباشر في البناء والفلاحة والصناعة والصيد البحري وغيرها… وكذا الأعمال الحُرة من تجارة وخدمات.
* الموارد المالية: هي العصب المحرك وقُطب الرحى ومركز الاهتمام من حيث الموازنة بين المداخيل والمصاريف.
إذ يُعتبر هذا المقوم أكثر حساسية من حيث الضبط، تنويع مصادر المداخل، إذ لا تنمية حقيقيه من دون مصادر التمويل سواء بالنسبة للقطاع العام أو الخاص، فبدون الرأسمال المادي تبقى التنمية مُعاقة وبالكاد تُراوح مكانها إن لم نقل التراجع والأزمات الاجتماعية السمة الغالبة.
ينضاف إلى مميزات هذا المقوم، قوة العملة المحلية في مقابل صرف العملات الاجنبية المتحكمة في السوق التجارية العالمية، علاوة على وجود التنافسية فيما يخص العرض والطلب وارتفاع أسهم البورصة في سوق التداولات والمعاملات الوطنيه والاجنبيه.
إن ارتفاع الموارد المالية وتنوع مصادرها، يكون له انعكاس مباشر وأثر إيجابي لتقليص الفوارق الاجتماعية وفتح سوق الشغل في القطاعين العام الخاص على مصراعيهِ، وبالتالي الحد من الظواهر السلبية الاجتماعية وتقليص نسبة الجريمة والانحراف، هذا ويكون للإنتاج الوطني حضور قوي في الأسواق الاجنبية والعالمية، ومن تم لا يلجأ البلد للاقتراض من الخارج الذي تكون له عواقب على ميزان الأداءات ونسبة الفائدة في تسديد الدين الخارجي.
* الحكامة وحُسن التدبير: لا يقل هذا المُقوِّم على سابقه، إذ تُعتبر الحكامة وحُسن التدبير بمثابة البوصلة والميزان الذي نقيس به نجاعة المقومين السابقين، فالحكامة تعني الحِكمة في التدبير والعقلنه، عقلنةُ استغلال الموارد وحسن استثمارها في تناغم وانسجام بين جميع المقومات.
ينضاف لهذه المقومات، لجان وهيئات التنسيق والتسويق الجيد لكل المقومات والمؤهلات والطاقات التي يزخر بها البلد لتصدير كل الإنتاجات الفكرية والثقافية والاقتصادية: فلاحة، صناعة، خدمات تجارة…
وأتطرقُ في المحور الثاني من موضوع النقاش لشروط الإقلاع والتي أُجمِلُها فيما يلي:
* الحاجة لرجال دولة لا رجال سياسة: إذ أختزلُ هذا الشرط في تجربة حياتية مُعاشة مع من التقيتُهم من كلا الطرفين. فرجل السياسة يُمارسها من أجل مصلحة الترشح والانتخاب عليه، ومُمارسة التمثيلية من زاوية ضيِّقة وزاوية مصلحية تتمثل في خدمة من صوت عليه، بينما الفرق شاسع وواضح بين رجل الدولة الذي لا يدخرُ ُجهداً و لا طاقة في خدمة الوطن، دون انتظار مصلحة ضيقة أو مُقابل على ذلك، عدا البحث في كل اتجاه عن مصلحة الوطن والمواطن في تفانٍ ومرونة لإيجاد الصيغ الملائمة لكل تقدم وتطور وتنمية منشودة.
* الابتعاد عن السياسوية: هنا أقصدُ هدر الزمن السياسي والطاقة والموارد المالية في التجاذبات السياسية والشعبوية والردود وردود الأفعال. فيما الهدف الأساسي من التداول على السلطة، هو التدبير الأمثل للمرحلة الراهنة و استشراف أرقى لمستقبل واعد لأجيال الوطن.
إن من أُسندت إليه مهمة تدبير الشأن العام، تقتضي منه المسؤولية الملقاة على عاتقه تدبير الأزمات الاقتصادية وإيجاد الحلول للمشكلات الاجتماعية، لأنه يتوفر على كل مقومات التدبير من الإشراف المُباشر على الادارة والمؤسسات، ويتحكم في مداخيل و مصاريف الميزانية العامة، علاوة على الخبرات و التجارب المتراكمة، إن على مستوى الترسانة القانونية التشريعية أو الاقتصادية الاقتصاديه، و زُمرة الخُبراء في كل الميادين والأصعدة.
* التوفر على إرادة حقيقية: لا يكفي أن يفوز الحزب في تصدر الانتخابات و اكتساح النتائج حصد المقاعد، بل عليه أن يركز كل الجهود في المرحلة الموالية لاستوزار الكفاءات الشابة والخبرات التي لا تنعدم في كل الاتجاهات.
يتمتع بإرادة حقيقية لتحقيق التنمية، عبر الجُرأة في اتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن تعود بالرفاهية على الشعب وفئاته الكادحة التي تتطلع للتنمية، إذ على المسؤول تحقيق النتائج الايجابية مادامت تتوفر لديه كل الإمكانات لتحقيق ذلك.
* التخلي عن عُقدة الأجنبي: أقصدُ بها الإيمان بطاقاتنا الشبابية التي تتمتع بحس عالٍ من الروح الوطنية والخبرة والتأهيل اللازمين للنهوض بالتنمية، تحتاج فقط للإيمان بها من قِبل المسؤولين وإعطائها الفرصة والثقة بها لتقول كلمتها، فرهانُ التنمية مرتبط بشكل أساسي في إيمان بعضنا ببعض.
ولي كاملُ اليقين، أن التنمية في تحقيقها مرتبطة بشكل أساسي في التحرر من التبعية وعُقدة الأجنبي، والإيمان بالطاقات والكفاءات الوطنية.