بلاحدود bilahodoud.ma – جمال اشبابي – باريس
ما يميز حركة GenZ212 ليس فقط طبيعة مطالبها الاجتماعية، بل الكيفية التي تدير بها التعبئة. فخلافا للأحزاب أو النقابات، التي مازالت تعتمد على الاجتماعات والبيانات، اختارت هذه الحركة فضاء غير مألوف: منصة Discord. هناك، حيث يتجاوز عدد الأعضاء المعلن 140 ألفا، تبنى النقاشات، تتداول الخطابات، وتحسم قرارات النزول إلى الشارع عبر آلية تصويت إلكترونية لا نعرف حقيقتها: من الذي يصوت؟ هل هو شاب مغربي في الدار البيضاء أو فاس، أم حساب مجهول لجنسية أخرى في عاصمة أوروبية؟ هذه الهشاشة الرقمية تظهر خطورة الاعتماد على فضاءات افتراضية تضعف مبدأ الشفافية وتفتح الباب أمام اختراقات خارجية أو حتى توجيهات لا تعكس المزاج الشعبي الحقيقي.
من زاوية سوسيولوجية، نحن أمام ما يعرف بـ«غرف الصدى»: فضاءات مغلقة يتحدث فيها الأفراد مع من يشبهونهم، يعيدون إنتاج نفس الأفكار، ويقصون المختلف. هذا الانغلاق يفسر رفض GenZ212 لكل الأطر التنظيمية الكلاسيكية، ورغبتها في احتكار الشارع لوحدها، بعيدا عن الأحزاب والمجتمع المدني. لكن المفارقة أن السياسة لا يمكن أن تعيش في عزلة، لأنها بطبيعتها فن إدارة التعدد والتنوع.
الخطورة الأخرى تكمن في سرعة تداول المغالطات داخل هذه المنصة. فالشباب الذي في غالبيته، لم يعد يثق في الإعلام التقليدي، يجد نفسه أمام محتوى منتج بلغة قريبة منه، لكنه أحيانا يفتقد لأي تحقق أو تدقيق. وهكذا تصبح الشائعة أقوى من الحقيقة، والانفعال أقوى من التعقل. وهذا يفسر كيف تحولت وقفات سلمية إلى موجات غضب غير مضبوطة، مارست خلالها كل أنواع العنف، رغم أن جوهر المطالب ـ الصحة، التعليم، الشغل الكريم ـ يظل مشروعا وواقعيا، طبعا إذا كان ذلك بشكل سلمي واحترام تام للقوانين والمؤسسات.
في المقابل، لا يمكن إنكار أن GenZ212 كشفت عجز الفاعلين التقليديين. فالأحزاب السياسية والجمعيات مازالت أسيرة أساليب عتيقة، لا تستوعب تحولات جيل يتنفس عبر Discord أكثر مما يقرأ الصحف أو يتابع نشرات الأخبار. فبينما اكتفت هذه المؤسسات بخطاب رسمي متكرر، استطاعت المنصة الرقمية أن تعبئ آلاف الشباب في أيام معدودة.
الدرس الأهم هنا ليس كيف نحاصر هذه الظاهرة، بل كيف نفهمها ونتعامل معها. المطلوب أن تنفتح الحكومة والأحزاب على هذه الأجيال بأدوات جديدة، أن تدخل إلى الفضاء الرقمي لا باعتباره تهديدا، بل باعتباره امتدادا للمجال العام، مع قواعد شفافية ومراقبة واضحة تضمن أن من يصوت ويتخذ القرار هم بالفعل مواطنون معنيون، لا ذوات غامضة قد تكون حتى من خارج الحدود.
إن التحدي اليوم ليس فقط أمنيا ولا تقنيا، بل مواطنا بالدرجة الأولى: كيف نعيد الثقة إلى الشباب، وكيف نحول طاقتهم من غرف مغلقة إلى فضاءات نقاش وطنية مفتوحة؟ فجيل Z ليس عدوا، بل مرآة لمغرب يريد أن يحلم، شريطة أن يتحمل الجميع ـ حكومة ومجتمع وشباب ـ مسؤولية هذا الحلم، وأن يترجم مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة إلى واقع ملموس، لا مجرد شعار.