“غاب عليَّ الهلال، طال صبري والنوم يجافي”…
كأنها ليست مجرد عبارة شاعرية، بل مرآة صادقة لواقع المواطن المغربي اليوم.
واقع يتسم بالإنتظار الطويل، والصبر المرهق، وغياب بوادر الإنفراج، في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية خانقة، لم تعد تخفى على أحد.
في الأسواق، ترتفع الأسعار بشكل غير مسبوق، الخضر، اللحوم، المواد الأساسية، وحتى ما كان يعتبر في متناول الجميع، أصبح يحسب بالميزان والهم.
المواطن، من الطبقة المتوسطة وما دونها، بات يعيش على إيقاع القروض، والتقشف، والتنازلات اليومية.
أما في المستشفيات، فالصورة أكثر قسوة: نقص حاد في الموارد، اكتظاظ، مواعيد بعيدة، وأدوية مفقودة.
والتعليم، الذي كان أملا في تحسين المستقبل، تحول إلى مصدر قلق دائم، خاصة مع الهشاشة التي يعيشها التعليم العمومي، وغلاء نظيره الخصوصي.
والشباب؟ هم الضحية الأكبر، البطالة تنخرهم، الإحباط يلاحقهم، والهجرة أملهم المؤجل أو المخيف، جيل بكفاءات عالية، لكنه بلا فرص، بلا أفق واضح، وأحيانا بلا صوت مسموع.
خلال الشهور والأيام الماضية، خرج آلاف المغاربة، من مختلف الأعمار والمناطق، للتعبير عن غضبهم من الأوضاع المعيشية، الإحتجاجات التي تتوسع، بصمت أو علنا، ليست مجرد تظاهرات منعزلة، بل صرخة مجتمع بأكمله.
صرخة تقول:
“لقد طال الصبر، وتأخرت الإجابات، وغاب الأمل… كما يغيب الهلال عن سماء نترقب فيها الفرج.”
الهلال في هذا السياق الذي يعتبر عنوان المرحلة، لم يعد رمزا لبداية رمضان أو العيد فقط، بل صار رمزا لـ”الفرج المنتظر”، لـ”العدل المأمول”، لـ”الإصلاح الحقيقي”، الذي طال انتظاره.
فـ”غاب عليَّ الهلال” تعني ببساطة: غابت الحلول، غاب الأمل، وغابت الإستجابة لنبض الشارع.
و”طال صبري” ليست فقط شعرا، بل حقيقة يشعر بها المغربي كل صباح وهو يقف في طابور المستشفى، أو ينتظر حافلة مهترئة، أو يراقب أسعار السوق ترتفع دون سقف.
أما “النوم يجافي”، فهي ليلة المواطن القلقة، الذي لا يعرف كيف يدبر غدا جديدا:
هل سيكفيه راتبه؟
هل سيتمكن من شراء دواء لأمه؟
هل سيدفع مصاريف المدرسة؟
هل سيجد فرصة عمل في وطنه؟
أم عليه أن يجازف بحياته في “قوارب الموت”؟
ما يعيشه المواطن المغربي اليوم ليس مجرد أزمة عابرة، بل مرحلة فارقة.
مرحلة تتطلب من الحكومة قرارات شجاعة، واستجابات واقعية، وإرادة سياسية حقيقية، تعيد الثقة للمواطن، وتضيء له الأفق بعد طول ظلام.
فإن غاب الهلال يوما، فالأمل لا ينبغي أن يغيب أبدا.
لكن إلى أن يتحقق ذلك، سيظل المواطن يردد:
“غاب عليَّ الهلال، طال صبري .. والنوم يجافي.”




















