بلاحدود bilahodoud.ma
تحولت سماء جنوب آسيا إلى مسرح مواجهة جوية لافتة عنوانها إسقاط باكستان خمس طائرات هندية، من بينها مقاتلات “رافال” الفرنسية المتقدمة.
هذا الحدث الذي تم التحقق من بعض جوانبه عبر مقاطع فيديو لحطام الرافال بواسطة وحدة التحقق التابعة لبي بي سي، بينما التزمت الهند الصمت، لم يكن مجرد اشتباك عسكري، بل مؤشر على تحول في مفاهيم القوة الجوية.
طائرات “جي-10 سي” الصينية، المسلحة بصواريخ PL-15 جو- جو بعيدة المدى (أكثر من 200 كيلومتر)، هي التي حسمت الموقف لصالح باكستان، مبرهنة أن القدرة على الاشتباك ما وراء مدى الرؤية البصرية، بدعم من أنظمة رادار متطورة وحرب إلكترونية فعالة، أصبحت هي الفيصل، وليس بالضرورة حجم الترسانة.
هذه الواقعة تقدم منظورا قيما لفهم ديناميكيات التسلح بين المغرب والجزائر، واللذين يتبعان فلسفتين دفاعيتين متمايزتين.
تعتمد الجزائر على قوة تقليدية ذات طابع روسي، قوامها نصف مليون جندي، وألفا دبابة، وحوالي 500 طائرة مقاتلة، تدعمها ميزانية دفاع تناهز 25.1 مليار دولار (حسب موقع كلوبال فاير باور) هذه الاستراتيجية، المتجذرة تاريخيا في الاعتماد على موسكو، تواجه اليوم تحديات مرتبطة بالعقوبات الغربية على روسيا. وتسعى الجزائر من خلال اقتناء طائرات “سو-35” الروسية لموازنة امتلاك المغرب لطائرات “إف-16”.
في المقابل، انتهج المغرب منذ عام 2010 استراتيجية تقوم على التنوع التكنولوجي والنوعية. بميزانية دفاع تبلغ 13 مليار دولار، لجأ المغرب إلى موردين متعددين من الولايات المتحدة، إسرائيل، فرنسا، تركيا، والصين. وتشمل ترسانته الحديثة نظام الدفاع الصاروخي “باراك 8” وطائرات بدون طيار وأنظمة أقمار صناعية إسرائيلية، وطائرات “بيرقدار” التركية المسيرة، بالإضافة إلى مقاتلات “إف-16 فايبر” وأنظمة “هيمارس” الصاروخية الأمريكية.
الأهم من ذلك، يركز المغرب على نقل التكنولوجيا وتطوير صناعة دفاعية محلية عبر شراكات استراتيجية، مع اهتمام معلن بالجيل الخامس من المقاتلات مثل “إف-35” لضمان التفوق الجوي.
جوهر التفوق في الحروب الحديثة لم يعد يقتصر على أعداد الطائرات أو الدبابات، بل امتد ليشمل تكامل أنظمة الرصد المبكر، وقدرات الحرب الإلكترونية، والاتصالات المشفرة، وأنظمة التشويش – وهي المجالات التي يستثمر فيها المغرب بشكل كبير. هذا الفهم العميق لطبيعة الصراعات المعاصرة هو ما يعزز دور المغرب كفاعل أمني إقليمي، خاصة في مكافحة الإرهاب وتعاونه مع حلف الناتو.
رغم أن الأرقام قد تميل ظاهريا لصالح الجزائر، إلا أن تركيز المغرب على التكنولوجيا المتقدمة والتدريب النوعي يجعله قوة يصعب الاستهانة بها.
سباق التسلح بين البلدين المدفوع بالتوترات حول قضية الصحراء المغربية، مستمر، لكن احتمالية نشوب صراع مباشر تظل منخفضة حسب أغلب المراقبين والمحللين العسكريين، مع بقاء خطر التصعيد العرضي قائما.
لا ننسى أن المغرب يتعامل مع هذا المشهد بدبلوماسية متوازنة، مفضلا الحوار إزاء ما يعتبره استفزازات جزائرية، مع الحفاظ على جاهزية عسكرية عالية.
رهان المغرب على النوعية والتكنولوجيا المتقدمة، كما أظهرت تجربة باكستان بصواريخها المتطورة في مواجهة تفوق كمي، يؤكد أن الذكاء الاستراتيجي والتطور التكنولوجي هما مفتاح الهيمنة في معارك اليوم والغد، حيث أصبح القتال ما وراء الأفق هو اللغة السائدة في فرض السيطرة الجوية.