* محمد الداودي
تتجه الأنظار شهر نوفمبر القادم إلى مدن الصحراء، والحدث بطبيعة الحال هو الذكرى الخمسينية لذكرى المسيرة الخضراء.
هذه السنة، تأتي هذه الذكرى في سياق سياسي مختلف، لعل أبرز ما يميزه هو تصاعد الاقتناع الدولي بحل الحكم الذاتي كآلية من آليات تقرير المصير التي طبعت جل تقارير الأمم المتحدة أثناء استعراضها لتطورات هذا الملف.
التعبير الملكي الذي يتحدث باسم الدولة المغربية، كان واضحًا في مناسبات عدة من خلال وضع إطار الحكم الذاتي كحل واحد ووحيد لقضية الصحراء المغربية، من شأنه لم شمل العائلات ومواصلة بناء وتطور المنطقة باعتبارها صلة وصل اقتصادية أساسية في اتجاه العمق الإفريقي للمغرب.
السياق الزمني هو الآخر مختلف، بحيث أنه يبصم على مرور خمسين سنة، بمعنى نصف قرن من الزمن شهد فيها العالم تطورات كبيرة جدًا، كما عرفت المفاهيم والشعارات السياسية المستقاة من حقبة السبعينات اندثار الكثير من أدبياتها، بحكم حتمية تطور الفكر بصفة عامة، وسقوط عالم القطبية الثنائية، وبروز آليات التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، مما جعل احتجاز الشعوب والتجمعات البشرية داخل توجهات إيديولوجية تتغذى على الحشو الإيديولوجي أمورًا من الماضي، لم يعد توظيفها يجدي نفعًا أمام انفتاح العالم وتحوله إلى قرية صغيرة تتداول فيها المعلومة بين الناس يوازي سرعة الضوء.
منح الصحراء حكمًا ذاتيًا، هو في حد ذاته تطور للمجال الترابي للمملكة المغربية التي اعتمدت نظام التوزيع الجغرافي الجهوي، والذي بدوره يسير في سياق التطور، من خلال تفتيت مفهوم مركزية القرار الإداري وبناء نظام اقتصادي جهوي وطني متكامل، على غرار العديد من الدول الأوروبية، وأخص بالذكر النظام الفيدرالي الألماني والنظام الجهوي في المملكة الإسبانية.
نعم هناك اختلاف بين الحكم الذاتي والجهوية وبينهما الجهة الموسعة.
والشيء الأكيد، أن فكرة جعل الحكم الذاتي كطرح سياسي جدي ومغري داخليًا وإقليميًا، هو كونه سيمكن سكان الأقاليم الصحراوية المغربية سواء منهم من اختاروا البقاء داخل الوطن، أو أولئك الذين لظروف ما بغض النظر عن دوافعها أو مسبباتها اختاروا التمسك بمبدأ الانفصال، أو حتى أولئك الذين اختاروا الاستقرار بدول المهجر سواء في أوروبا أو جزء من دول أمريكا اللاتينية.
صيغة الحكم الذاتي والتي تعطي للجميع حق المساهمة والمشاركة في تدبير الشأن المحلي، وممارسة كل أشكال التعبير الديمقراطي داخل إطار حرية التصويت وانتخاب آليات برلمانية محلية، وتوظيف الثروات الطبيعية للأرض في البناء الاقتصادي والاجتماعي على مستوى منطقة الحكم الذاتي، وتدبير الشأن العام بشكل مباشر من طرف أبناء المنطقة.
كلها أشياء تلبي طموحات أجيال من الصحراويين هنا وهناك، يريدون ويطمحون اليوم إلى التنزيل الحقيقي لهذا المشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي لا محالة سيكون له الانعكاس الإيجابي على النظام الديمقراطي والاقتصادي العام داخل المملكة المغربية.
وبالتالي، فإن الذكرى الخمسينية للمسيرة الخضراء لهذه السنة، تختلف بشكل مغاير عن سابقاتها، وتتجاوز كونها فقط تأريخًا لحدث وطني يترجم الإجماع الوطني حول قضية الصحراء.
بل يتعداه كون الذكرى اليوم تشكل فرصة للحسم في الملف بشكل يتحول معه طي الملف في أقصى الجنوب، إلى الانطلاقة نحو تقوية العلاقات الاقتصادية التي أشار إليها المغرب، والمتمثلة في التعاون جنوب- جنوب، وربط عدد من دول أفريقيا بالواجهة البحرية حيث يمثل الساحل الممتد من لكويرة إلى طرفاية، بوابة شاسعة لإفريقيا نحو أوروبا وأمريكا.
حل قضية الصحراء من خلال تثبيت آلية الحكم الذاتي، هو مفتاح تطور للنصف الشمالي من القارة الإفريقية، وهو تحول مزدهر يلوح في أفق سماء المدن الصحراوية المغربية.